غير مصنف

قلة التخصيصات و تخبط الحكومات المحلية”القادسية تصنف ضمن المحافظات الأكثر فقراً”

 

منار الزبيدي

تعيش الكثير من عائلات محافظة القادسية تحت خط الفقر بسبب شحة موارد المحافظة وتدهور قطاعاتها الزراعية والصناعية وتفشي البطالة وغياب الحلول الناجعة لمشاكلها.

فع الفقر أم كريم إلى عرض أطفالها للبيع في منطقة حي الأكراد التي تسكنها، أم كريم التي بلغت الأربعين وجدت نفسها دون معيل بعد اختفاء زوجها فيما لا يتجاوز أكبر أطفالها سنته السادسة.

 وتقول  “لا اعلم حتى اليوم  مصير زوجي، وقد منعني وضعي الصحي من العمل لتدبر قوت أطفالي فأنا مصابة بفقر الدم الحاد، وهو ما دفعني  للإعلان عن بيع أطفالي دون مقابل مادي إنما بشرط الحفاظ عليهم من التشرد والاستغلال ومواصلة دراستهم”

 وتبدو شروط أم كريم متساهلة في مقابل تخليها عن أطفالها، لكنها أيضا تبدو شروطاً صعبة إذا علمنا أن الكثير من عائلات المحافظة تعيش تحت خط الفقر ولا تجد فرصة لتوفير حياة جيدة لأبنائها، بينما يعتقد أن هناك عمليات تخلٍ عن الأطفال تجري بشكل سري.

  القادسية احتلت المركز الثاني بين أفقر محافظات العراق بعد محافظة المثنى  وبحسب مؤشرات وزارة التخطيط فأن نسبة الفقر فيها بلغت (45) في المئة إذ تخطى عدد الفقراء فيها (518942) من مجموع سكانها البالغ (1،250،169) فيما تشكل نسبة الأمية بين الأهالي (25,6) في المئة والتي تفاقمت مؤخرا  بين الإناث، فيما بلغت نسبة العاطلين عن العمل  بعمر 15 سنة فأكثر ( 13,3) في المئة.

ومع أن المحافظة تقبع على أرضها خمسة مكامن نفطية ثلاثة منها مشتركة مع محافظات واسط وبابل والنجف لكنها غير مستغلة على الإطلاق، بالإضافة إلى وجود مصفى نفط في ناحية الشنافية ينتح (20) ألف برميل نفط خام في اليوم.

وفي حين تستغل بعض المدن العراقية مواردها سواء كانت نفطية او سياحة دينية أو منافذ حدودية لرفع مستوى المعيشة فيها فأن الديوانية تفتقر  لهذه الحلول.

 وحمّل مسؤولون سابقون في حكومة الديوانية وزارة النفط مسؤولية عدم استثمار حقول النفط أو تطويرها برغم طرحها في جولة التراخيص الرابعة.

يقول عمار المدني محافظ القادسية السابق أنهم خاطبوا وزارة النفط بشأن استثمار حقول النفط وإنشاء مصفى ثانٍ إلا أن الوزارة رفضت متذرعة بان السوق العالمية والمحلية لا تتحملان استخراجات نفطية جديدة، وقال لنقاش ” الأغرب أن وزير النفط عادل عبد المهدي برر إهمال حقول الديوانية بذريعة رغبته في الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة من خلال عدم استخراج نفطها في الوقت الحاضر”.

ويدور جدل بين المعنيين في الأسباب التي تحول دون استثمار ثروات الديوانية،إذ يعزو الخبير الاقتصادي عبد الحسين الهنين ذلك إلى عدم خبرة الحكومات المتعاقبة على المحافظة في استثمار ثرواتها ورفضها الاستعانة بالخبراء والمختصين.

 ويقول لـ”نقاش” ان “كل ما تقوم به الحكومة المحلية هو استجداء وزارة النفط فهم يفتقرون للمبادرة لتنمية وتطوير واقع المحافظة”.

 ويعتقد الهنين أن ضعف التخطيط الاستراتيجي وانحسار القطاع الخاص واقتصاره على الجانب الخدمي يعود إلى محاربته من الذين دعاهم بـ”هواة السياسة” مضيفاً أن “الصراعات السياسية والمحاصصة الحزبية وانشقاق الحكومة إلى كتلتين كل منها تبحث عن مصالحها أدى لضياع فرص التنمية وهدر ثروات المحافظة”.

إلا أن الطرف الحكومي يتبرا  من مسؤولية إفقار المحافظة. يقول محمد عبّاس معاون محافظ الديوانية للشؤون المالية إن “ظاهرة البطالة لم تعالج إلا ببعض التعيينات خلال الأعوام 2005-2007 لكنها عادت وارتفعت خاصة بين الشباب جراء تدني التخصيصات المالية”.

ولم يراع توزيع الموازنة بين المحافظات معدل المحرومية وفقر الموارد، لذا تخضع موازنة الديوانية لمعدل الكثافة السكانية فقط، كما لم تقدم خلال السنوات الثلاث الماضية سوى مبالغ بسيطة أضيفت  عبر إستراتيجية تخفيف الفقر.

وفي المعدل لا يقل عدد الأفراد  في العائلة الواحدة بالديوانية عن سبعة، وقد أسهم عدم حصول المعيل على دخل مرضٍ بتعزيز الفقر، فاغلب المعيلين على مستوى خط الفقر أو دونه حتى أن ما يتقاضاه الموظف لم يرفعه عن ذلك المستوى.

يوضح عبّاس أن “مكافحة الفقر تحتاج لمبالغ كبيرة وخطط عملاقة وبرغم إعداد وزارتي التخطيط والمالية خططا كثيرة بهذا الاتجاه لكنها لم تنفذ فما خصص للمحافظة خلال موازنة 2015 هي أرقام على الورق فقط ولم تتسلم المحافظة سوى (20) في المئة ستذهب لتسديد ديونها المتراكمة من السنوات السابقة”.

المحافظة التي استقت اسمها ( الديوانية) في الماضي من كثرة دواوينها ومضايفها العشائرية وبما يدل على الوفرة والكرم، إذ تمتاز بطابعها الفلاحي تعاني من تدهور قطاع الزراعة فيها ما أفقر شرائحها الاجتماعية.

ويبرر صفاء الجنابي مدير زراعة الديوانية تدهور مساحة الأراضي المستغلة للزراعة في المحافظة التي تقدر بـ (623,200) دونم تزرع بالحنطة والشعير والشلب، إلى انخفاض مناسيب المياه وعدم اعتماد خطط زراعية، موضحاً لنقاش “لم يتم طرح رؤية حديثة من خلال رفع مستوى الإرشاد الزراعي في كيفية الزراعة الحديثة وبالتالي رفع وعي الفلاح، وقد فشلت تجربة الزراعة بواسطة استخدم البيوت البلاستيكية بنسبة (50) بالمئة نتيجة ذلك”.

  في حين يشكو الفلاحون من غياب الرقابة الزراعية من قبل الجهات الحكومية وانعدام الوسائل الداعمة كتوفير الحبوب والأسمدة الكيمياوية وهو ما دفع اغلب أبنائهم لهجر مزارعهم وانخراطهم في الجيش والشرطة والوظائف الأخرى التي توفر لهم دخلا ثابتا.

 ويطرح المزارع حسن النائلي هموم المزارعين قائلا لنقاش “تكبدنا خسائر لأننا لم نستطع مواجهة المحاصيل المستوردة، كما أن أغلب التجار الموردين هم شركاء لمسؤولين حكوميين، بينما أصبحت  مبادرة الحكومة بتسليف الفلاحين بابا للفساد بعد استغلالها لأغراض بعيدة عن تطوير الزراعة”.

 ويكمن خطر الفقر على تأثيراته السلبية في انحدار مستوى التعليم لدى المواطنين ما حرمهم من أحد المؤهِّلات الرئيسة لدخول سوق العمل. وبحسب الباحث الاجتماعي والنفسي سعد عبد محمد فأن المواطن الفقير يركز جُلَّ أولوياته على سد احتياجاته الأساسية في العيش، ما يجعله ينظر إلى التعليم باعتباره أمرًا ثانويًّا فاقتصر التعليم الى حد كبير على الأغنياء، ويقول لنقاش ” لذلك ازدادت عمالة الأطفال وكثرة المتسولين في الشوارع وهناك تلازم لدرجة كبيرة بين الفقر والمرض والجريمة”.

  وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط  فأن (10,7) في المئة من مواطني القادسية مصابون بالأمراض المزمنة نتيجة انعدام الرعاية الصحية في حين سجلت (9,8 ) في المائة حالة إصابة بنقص الوزن بين الأطفال و(25,7) بالمئة حالات تقزم، فيما بلغت إصابات الهزال (9,3) بالمئة بسبب تدني مستوى التغذية.

 وللمفارقة كشف المسح الجيولوجي أن القادسية (الأكثر فقرا ) هي أكثر المحافظات التي تحوي مخزونا لمواد أولية من  أحجار الاسمنت ( قرابة50 مليون طن) والفوسفات لكنها مكامن أهملت ولم تطرح للاستثمار أو تدرس جدواها الاقتصادية.

زر الذهاب إلى الأعلى