منار الزبيدي
ترفض الكثير من الناشطات العراقيات البارزات الترشح إلى الانتخابات البرلمانية المقررة في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول القادم أو المشاركة في العملية السياسية برمتها بسبب الخوف من القتل أو الخطف أو التهديدات التي تستهدفهن أو تستهدف أفراد أسرهن.
ويعتبر التسقيط والتشهير وتلفيق التهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي من بين الأمور التي تؤرقهن وتثير قلقهن. ولا يتوقف الأمر عند فترة الدعاية الانتخابية؛ بل تزداد المخاوف بعد نتائج الانتخابات وصعودهن إلى مجلس النواب، حيث “الفساد المستدام” وهيمنة بعض النواب القدامى التابعين إلى أحزاب سياسية كبيرة، وما قد يمارسوه من ضغوطات عليهن في سبيل تمرير مصالحهم السياسية، كما تقول المرشحة نور نافع الجليحاوي من حزب “امتداد” وهو أحد أحزاب الحراك الشعبي.
وتشير الجليحاوي إلى أن المجتمع العراقي في بعض المناطق ما زال مقيدا بالعرف الاجتماعي الذي يحد من حركة المرشحات خلال فترة التثقيف الانتخابي؛ وخاصة في التجمعات الشبابية. كما تعاني أحزاب المحتجين من عدم توفر الأموال لدعم المرشحين وهم يتحملون كل التكاليف بشكل شخصي، معتبرة أن ذلك يعد تحديا كبيرا بالنسبة لهم لمنافسة الأحزاب الكبيرة التي تملك “المال والسلطة”.
وتتابع “المعركة الانتخابية مليئة بالتحديات والمفخخات، ولكن المشاركة والمحاولة واجب وطني وعندما خرجنا بالمظاهرات، طالبنا بانتخابات مبكرة بهدف تغيير العملية السياسية وإصلاح الأوضاع قدر المستطاع”.
ويخوض الانتخابات النيابية القادمة 3 آلاف و552 مرشحا بينهم 982 مرشحة و162 منهن بشكل فردي، فيما شهدت انتخابات عام 2018 مشاركة 1983 مرشحة بينهن 8 نساء يترأسن قوائم وتحالفات انتخابية في مختلف أنحاء العراق. وحصلت النساء في انتخابات عام 2018 على 84 مقعدا من مجموع 329 مقعدا في مجلس النواب، وقد انتخب بعضهن خارج نظام الكوتا (محاصة نسائية)، بعدما حققن أصواتا انتخابية عالية، وفقا لبيانات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
موجات عنف
ومع اقتراب موسم الاقتراع يستعر العنف الانتخابي في العراق؛ متخذا من مواقع التواصل الاجتماعي منبرا للتسقيط السياسي والتشهير بالمرشحين -وخاصة المرشحات- من خلال تلفيق التهم ونشر الإشاعات، في منافسة غير شريفة يستخدمها الخصوم عبر ذبابهم الإلكتروني لتصفية بعضهم البعض حتى لو كان الثمن هدرا بالأرواح.
وأصبحت الفضائح وحملات التسقيط والتشهير ضد أي امرأة بارزة تشارك في الحياة العامة؛ الأسلوبَ الأكثر شيوعا في العراق، وحتى النساء اللواتي دخلن المعترك السياسي يتعرضن للعنف، وتتضاعف مخاوف الناشطات والقياديات في فترات محددة؛ كالمظاهرات والاضطرابات والانتخابات وغير ذلك، وفقا للباحثة السياسية لينا الموسوي.
وتعتقد الموسوي أن البيئة السياسية في العراق خطرة وتتضاعف خطورتها بالنسبة للمرأة؛ إذ يمكن بكل سهولة اتهامها بأي تهمة ممكن أن تسبب لها مشاكل عائلية تدفع ثمنها بلا ذنب ليكون مصيرها الذم الاجتماعي والقتل بلا خطيئة، كل ذلك يعني استباحة دم النساء سواء كن مرشحات أو ناشطات أو غير ذلك.
وتستذكر الموسوي انتخابات 2018 وما شهدته من موجة فضائح كبيرة طالت عددا من المرشحات، وكان أثرها كبيرا على باقي المرشحات وما زالت تلك الآثار موجودة إلى الآن، مما جعل عددا كبيرا منهن ينسحبن قبل بدء الحملات الانتخابية وبعضهن ألغين فكرة الترشح نهائيا.
ويُعَرَّف خطاب الكراهية عمومًا على أنه أنماط مختلفة من أنماط التعبير العام التي تنشر الكراهية أو التمييز أو العداوة وتروج لها أو تبررها ضد شخص أو مجموع، كما تقول الباحثة في شؤون المرأة فريال الكعبي.
وتضيف الكعبي أن هجمات الكراهية غالبا ما تستهدف النساء الفاعلات أو البارزات في المجتمع ضمن نقاشات مطوله قد تستمر لأيام على شكل حملات مضادة يشارك فيها آلاف الأشخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي يستخدم فيها كل الأساليب المحرمة وفق المنظومة الإنسانية والأخلاقية والدينية والقانونية.
وفي ظل غياب منظومة قانونية ومواثيق مهنية تضع حدا للانتهاكات -وخاصة عندما يستعر خطاب الكراهية بالتزامن مع أزمات سياسية وحوادث أمنية ومناسبات محددة كالانتخابات وغيرها- لعبت أغلب وسائل الإعلام باختلاف أنواعها -مع الأسف- دورا مساهما في تنامي خطاب الكراهية الذي يهدد التعايش السلمي والأمن المجتمعي ويتسبب بوقوع أعمال عنف وجرائم ضد فئات مهمَّشة أبرزها “النساء”، ومع أن بعض التصريحات قد لا تحرض على العنف مباشرة؛ فإنها تسهم بنشر بذور التعصب والغضب المؤدي إلى إضفاء الشرعية على أعمال الكراهية كما تشير الكعبي.
جرائم وفق القانون
وتتلقى المحاكم العراقية عشرات الدعاوى الخاصة بجرائم القذف والتشهير يوميا؛ بسبب سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال المحامي علي الزبيدي إن الهيئة التمييزية في محكمة استئناف الرصافة ببغداد اعتبرت موقع “فيسبوك” أحد وسائل الإعلام، وبالتالي تنطبق عليه القوانين التي تنظم عمل وسائل الإعلام الأخرى، والتجاوز عبر منصته “أوجب العقاب والتحقير للمشتكي في الوسط الاجتماعي والمهني، ولذلك قررت تصديق حكم الإدانة واعتبرته ظرفا مشددا”.
ويقول سلام الوائلي من المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية إنه بعد هجمات المعلومات المضللة الواسعة التي حدثت خلال الانتخابات التشريعية 2018 والتي استهدفت بعض المرشحين -وخاصة النساء- أعطت المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية الأولوية لهذا الموضوع، وقررت العمل على زيادة الوعي حول أهمية تحديد واكتشاف مثل هذا المحتوى الإشكالي من أجل إتاحة وتوفير أجواء انتخابية آمنة وصحية بهدف تشجيع المشاركة المتساوية لجميع المكونات الاجتماعية في الانتخابات العراقية القادمة.
وهناك جهود متواصلة يبذلها تحالف القرار الأممي المرقم (1325) والمعني بأجندة المرأة والأمن والسلام في العراق، وهو يعمل الآن على إعداد خطة إستراتيجية للمدافعة والمناصرة لدعم المشاركة السياسية للمرأة من خلال حشد الجهود الإعلامية والشبابية لتعزيز المشاركة الفاعلة للنساء في مواقع صنع القرار، بحسب ممثلة التحالف منى الهلالي.
ودخلت بعض العشائر على الخط لمواجهة التشهير والتهديد والإساءة عبر مواقع التواصل من خلال فرض “عقوبة مالية” يتحملها الطرف المسيء بما يضمن تحقيق السلم الأهلي، على أن يجري ذلك برعاية من الشرطة المحلية، بحسب مدير شؤون العشائر العميد علي الربيعي الذي توعد بتطبيق العقوبة على كل مسيء محددا العقوبة بمبلغ مالي يتراوح بين 25 و50 مليون دينار عراقي بما يعادل 17 إلى 33 ألف دولار، معتبرا هذا النوع من الجرائم “أكبر” من جريمة القتل.
إصلاح وتوعية
وترى الموسوي أن إنهاء العنف ضد النساء المنخرطات في العملية السياسية صعب جدا ويحتاج إلى وقت طويل ودعم مستمر من الساسة؛ وذلك من خلال فسح مجال أكبر لهن لضمان وصولهن إلى مناصب صنع القرار في المؤسسات، وهذا يعتبر حافزا للأخريات ويجعل من الوجود النسائي في القيادة أمرا معتادا من قبل المجتمع.
وتشير الهلالي إلى أن دعم الأحزاب لمرشحاتهم وحمايتهن خطوة مهمة للحد من موجة العنف ضدهن. ويضاف إلى ذلك أهمية التعاون المشترك بين الأحزاب والمنظمات غير الحكومية وجهات إنفاذ القانون وتفعيل آليات الرصد والإبلاغ الآمن للنساء المرشحات بشكل خاص.
من جانب آخر، يشير الزبيدي إلى أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق السلطات الحكومية من خلال تنفيذ السياسات الخاصة بعدم التمييز وإدماج النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان بشكل مناسب، وأن تقوم الحكومة بحماية أفرادها من خطر التحريض والكراهية عن طريق إصلاح المنظومة التشريعية وخاصة تعديل المواد المتعلقة بقضايا النشر، كما نحتاج إلى تشريع قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية بما ينسجم مع الدستور مع التشديد على عدم المساس بالحريات العامة والخاصة.
من جهتها، تؤكد الكعبي أهمية توعية المرشحات بإجراءات الأمن الرقمي والسلامة الشخصية خلال الفترة القادمة للحفاظ على حياتهن من المخاطر والتهديدات، بالإضافة إلى أهمية توعية المجتمع بالمسؤولية القانونية عند الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي.