غير مصنف

نساء الديوانية يتحرّرن عبر العالم الافتراضي

نقلا عن موقع نقاش /منار الزبيدي

قبل اشتراكها في تلك الكروبات النسوية اعتبرت قطر الندى (25 عاما) نفسها رقماً آخر يضاف إلى خريجات الجامعات العاطلات عن العمل، إذ عاشت الوحدة والضجر مع أسرة كبيرة ومحافظة تحسب عليها أنفاسها.

تستذكر قطر الندى أيام الدراسة الجامعية الجميلة قائلة “كنت استمتع جدا خلال أيام دراستي مع صديقاتي وزملائي، وتراودنا أحلام بالعمل والحياة، لكني أصبحت حبيسة البيت أعاني الوحدة والملل بعد تخرجي، حيث تستحيل فرص العمل, كما ان أسرتي لم تسمح لي بلقاء صديقاتي خارج البيت حتى شعرت باني معزولة عن العالم, الى ان وجدت متنفسا لي عبر الكروبات المغلقة في الفيس بوك”.

الوحدة والفراغ والضجر لا تعانيها قطر الندى وحدها بل هو حال الكثيرات من النساء والفتيات وربات البيوت وخريجات الجامعات والمعاهد والموظفات، اللواتي يعشن المعاناة نفسها فالطابع العشائري والديني المحافظ لمجتمع الديوانية وافتقار المدينة للنوادي الثقافية والترفيهية الخاصة بالمرأة يلقي بظلال قاتمة على حياتهن.

تسكن دلال كامل (35 عاما) وهي ربة بيت تخرجت من معهد المعلمات  في قضاء الشامية وهي تشغل وقتها بالأعمال المنزلية لكنها تجد لديها فائضا من الوقت فتقضيه على الفيسبوك وتقول لـ”نقاش”: “غالبا ما يخرج زوجي مساءً للترفيه عن نفسه حتى لو كان مرهقاً فهو يرتاد المقهى ليلا واللقاء بأصدقائه، بينما أبقى أنا حبيسة البيت مهما بلغت بي المشقة والملل”.

تتساءل دلال عن المانع من وجود نواد وملتقيات ثقافية ترفيهية تخصص للنساء، وفي حين سمعت عن مشروع وزارة الشباب والرياضة الخاص بإنشاء منتدى رياضي نسوي فهي لا تعلم مدى فاعليته في حال اكتمل بناؤه المتلكئ.

لكن دلال اكتشفت “العالم” كما تقول عندما أضافتها شقيقتها إلى الكروبات النسوية الخاصة، وتضيف “ساعدني ذلك في التواصل اجتماعيا مع الخارج فشعرت بأني اكتشف العالم كل يوم وأدرك عمق عزلتي كما بدأت اطلع على فنون الطبخ والديكورات المختلفة التي أحبها”.

وفي مقابل الترفيه واكتشاف العالم أتاحت كروبات الفيسبوك فرصة لنهروان منعم وصفتها بالنادرة.

ففي مجتمع يشهد هيمنة الرجال على سوق العمل وارتفاع بدلات إيجار المحال انعدمت فرص نهروان وأمثالها ممن يملكن المهارات اللازمة في المنافسة، إلا أن الكروبات النسوية عبر الفيسبوك فتحت أبوابا جديدة لهن.

تجيد منعم (30 عاما) تصميم الأزياء وخياطة الموديلات الحديثة لكنها لم تتمكن من فتح محل تجاري في السوق لبيع منتجاتها، لكن الكروبات فتحت لها الباب لتصريف البضائع.

وتقول لـ”نقاش” حول ذلك “أتاح لي الفيسبوك الترويج لتصاميمي من الفساتين والجلابيات والعباءات الإسلامية فازداد الطلب على بضاعتي كما بدأت أتعامل مع بعض المحال التجارية بواسطة زوجة احد أصحاب المحال التي هي عضو معنا في الكروب, اليوم املك مشغلا يدر علي المال وأمارس هوايتي في التصميم والخياطة”.

معدل الأرباح ليس ثابتاً، وقد يصل الى (600) دولار شهرياً، وهو مبلغ جيد مقارنة بمتطلبات المعيشة، لكن نجاح كروبات الفيسبوك النسوية المغلقة لم يقتصر على نساء الديوانية بل ضمت الشبكة نساء من محافظات مجاورة.

وزاد عدد كروب (مطبخ الديوانية) النسوي على عشرة آلاف مشتركة، تقول أم علي مسؤولة الكروب لـ”نقاش” انه “نظرا لتعدد حاجات النساء وبسب ظروفهن الاجتماعية القاهرة التي لا تمكنهن من الاطلاع على ما يدور حولهن من تطورات في فنون الطبخ والأزياء والتسوق وحاجتهن الى التسلية والترفية جاءت فكرة إنشاء كروب نسوي”

 نجاح الفكرة شجع النساء في المحافظات الأخرى على الانضمام للكروب أو إنشاء كروبات نسوية مشابهة.

 أم علي تضيف قائلة إن “أجمل ما يميز هذه الكروبات هو التنوع المجتمعي والثقافي للنساء المشتركات ما أسهم في تبادل الآراء وتقديم الاستشارات, كما استثمرت مهارات النساء المهجورة لتتحول الى وسيلة عمل مثل الحرف والصناعات اليدوية سواء الغذائية أو المنزلية فضلا عن الترويج لحرف وأعمال أزواجهن وأقاربهن”.

وبسبب انتشارها السريع أصبحت الكروبات وسيلة مجانية للترويج عن بيع وتبادل مختلف البضائع حتى أنها أسهمت بافتتاح معارض البيع المباشر لمنتجات محلية نسوية تحت رعاية اتحاد نساء الأعمال في الديوانية.

تقول شهلاء قاسم (50 عاما) وهي صاحبة صالون تجميل أن “مواقع التواصل الاجتماعي وفرت لأعمالنا ترويجا مجانياً عجزت الصحف والإذاعات المحلية عن تقديمه مقابل ثمن، وذلك بسبب عدد العضوات الكبير داخل الكروبات وتفاعلهن السريع عبر  صفحاتهن الشخصية حيث يجري الترويج لكل شيء مفيد؛ الماكياج المستورد والبضائع والأثاث الجديدة والمستعملة”.

بينما تعدت الكروبات النسوية دورها كوسيلة في التواصل الاجتماعي والتسوق والترفيه والبيع والشراء إلى نشر الإخبار والمناسبات والتوعية الصحية بالأمراض الخطيرة والمعدية مع تقديم الاستشارات الطبية للنساء من قبل طبيبات مختصات.

 والمفارقة أن الكروبات المغلقة أتاحت فرص الزواج لبعض المشتركات بأشقاء عضوات أخريات من خلال التعارف العائلي، خاصة أولائك اللواتي يعملن في كروبات خياطة الملابس والحرف اليدوية ودروس التقوية.

تؤكد زهرة النرجس مسؤولة احد كروبات الفيسبوك التي كانت لها مساهمة فعالة في إتمام بعض الزيجات أن الزيجات جرت وفق اشتراطات مجتمعنا المحافظ، وتؤكد لـ”نقاش” أن “الكروبات  تخضع لشروط صارمة كاحترام الرأي والتشجيع والتفاعل كما تحظى المنشورات بالمتابعة المستمرة ويحذف ما يحتوي منها على الإساءة للعضوات على أساس أخلاقي أو طائفي او ديني ويجري طرد من تتعمد الإساءة”.

وبرغم ذلك فأن هناك من يدعو للحذر من التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي تخوفا من وقوع بعض المشكلات الشائعة.

فريال الكعبي رئيس منظمة أوان للتوعية وتنمية القدرات لا تغفل خطورة مواقع التواصل الاجتماعي برغم إيجابياتها وتقول أن الأمور تحدث فيها كما على أرض الواقع وتقول لـ”نقاش” حول الموضوع “تعرضت بعض النساء للنصب والاحتيال خاصة في عمليات بيع وشراء الأشياء الثمينة, كما أتاح الفيسبوك حدوث الخيانة الزوجية في بعض الأحيان من الطرفين (الرجل والمرأة) إضافة لتعرض بعض الشباب للتهديد والابتزاز من قبل بعض النسوة المتمرسات على يد عصابات حتى من خارج العراق، بعد أن تواصلوا معهن فيديويا وهم في وضع غير أخلاقي حيث جرى تهديدهم بنشر تلك المقاطع وابتزازهم بمبالغ كبيرة”.

مع ذلك فأنه بات من الصعب كبح رغبة النساء اللواتي يرغبن بالانعتاق من سجنهن الاجتماعي ولو عن طريق كروبات مغلقة فيقمن بزيارات عديدة للعالم خلال اليوم الواحد بعيدا عن تحكم المجتمع الرجولي.

زر الذهاب إلى الأعلى