حالها كحال قريناتها من النساء الأرامل والمطلقات في العراق، تبحث عن مصدر رزق لها ولعيالها دون ان تُمتهن كرامتها ودون أن تُمس آدميتها، وجدت مريم محمد، ابنة الـ26 عاماً المطلقة والأم لطفلين في بيع منتجاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي فرصة سانحة للعمل دون أن تضطر للخروج والابتعاد عن طفليها.
بيع الفطائر والمعجنات على فيسبوك
تروي مريم لـ”العربي الجديد” حكايتها، “تزوجت بعمر السبعة عشر عاماً، وكان طليقي من الكسبة الذين لا مهنة محددة لهم كحال أغلب الشباب في العراق. وقد كنا نعيش أزمات مالية مزمنة خاصة بعد ولادة طفلنا الأول”، وتوضح مريم أن “زوجي كان يخرج إلى (المسطر) حيث يعمل بأي شيء يطلبونه منه، كتحميل الأثاث أو الفلاحة أو إصلاح الكهربائيات أو أعمال السباكة، ولكن يصادفه على الأقل ثلاثة أيام في الأسبوع لا يطلبه أحد إلى العمل. هذه الأيام كانت تعني لنا أن نحرم من أبسط سبل العيش، كتناول الطعام على سبيل المثال، وكم بتنا بجوع أنا وإياه وطفلنا بسبب العوز”. وتضيف مريم “لقد طلبت منه مرات عديدة أن أعمل لأعيل العائلة، إلا أن الأعراف وكبرياءه كانا كفيلين بممانعته، مما دفعني إلى الانفصال عنه، فلم أعد قادرة على تحمل أزمة معيشتنا”، وتقول مريم “بمجرد انفصالي عنه، بدأت العمل من منزل أهلي بأعمال الطبخ، كالفطائر ومختلف المعجنات، وقد أنشأت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك لتسويق الطعام”، لافتة إلى أن “الأعمال تجري بشكل جيد، والأرباح معقولة لسد حاجاتي وحاجات طفليّ، وجعلتني أحقق ذاتي ولا أكون عبئاً على أهلي”، مشيرة إلى أن “أغلب زبوناتي موظفات متزوجات لا يسمح لهن ضيق الوقت بممارسة الطبخ المنزلي، مما يدفعهن لشراء المعجنات كونها تدوم لفترة طويلة، ولا تحتاج إلا لتسخينها، فتصبح جاهزة للأكل”.مندوبة مبيعات لشركة تجميل
أمّا، رشا منصور، ابنة الـ31 عاماً، فهي أرملة وأم لطفلة تقول: “زوجي استشهد في تفجير إرهابي استهدف أحد المطاعم الكبيرة شمال بغداد. وقد كان طبَّاخاً ماهراً، وأباً حنوناً تعلمت منه الكثير”، وتضيف في حديث لـ”العربي الجديد”: “بعد استشهاد زوجي، عشت حالة نفسية سيئة جداً، ولأجل الخروج من هذه الحالة اقترحت عليّ إحدى صديقاتي أن أعمل مندوبة مبيعات لإحدى شركات التجميل من المنزل، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. لم أتشجع في بادىْ الأمر”. تؤكد رشا، “ولكن لا ضير من التجربة، هذا هو القرار الذي اتخذته. وكانت المفاجأة في حجم الطلبات التي وردتني عبر صفحتي على فيسبوك، والتي وفرت لي مبلغا مالياً لا بأس به، لكن الأهم من ذلك، أنها سرقتني من حالة الإحباط والوحدة التي انتابتني بعد استشهاد زوجي، وأصبحت منغمسة جداً بعملي والتواصل مع زبائني، رغم ما يشوب عملنا من منغصات سواء من الزبائن أو من الشركة المجهزة، حيث ينكل أي منهما أحياناً باتمام الصفقة، ما يشكل إحراجا للمندوبة مع الزبون أو مع الشركة المجهزة”.واقع ذكوري وقوانين مجحفة
هويدا عباس، الناشطة في مجال حقوق المرأة تقول، إن نساء العراق يقفن أمام تحدي توفير العيش المناسب لهن ولعوائلهن، خاصة بعد ارتفاع نسبة الفقر في البلاد إلى 30% خلال العام الماضي 2016، بعد أن سجلت 22% خلال آخر مسح أجري في العام 2014، بحسب وزارة التخطيط العراقية، وبلوغ عدد المطلقات والأرامل مليونا و938 ألف مطلقة وأرملة حسب نتائج مسح الأمن الغذائي الذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء خلال عام 2016. وتؤكد لـ”العربي الجديد”، أن العام الجاري الذي يكاد يبلغ نهايته، لم يشهد أي توظيف جديد في مؤسسات ودوائر الدولة المتخمة بالبطالة المقنّعة، فيما شهد السوق الخاص، الذي لا يعوّل عليه أساساً، طرداً بنسب كبيرة للنساء العاملات، أما من حافظن على عملهن فقد ضحين بالكثير، كالأجور، وعدد أيام العطل الشهرية التي قد لا تتعدى اليومين فقط في الشهر بالنسبة لشركات الاتصالات، بالإضافة إلى طول ساعات العمل التي قد تصل إلى 12 ساعة يومياً، مما يضعهن أمام أزمة إنسانية واجتماعية كبيرة. وتضيفُ، أنّ هذا الاجحاف بحق المرأة العراقية جعلها تلجأ للعمل كمندوبة مبيعات أو طباخة وصانعة كيك ومعجنات من منزلها لتنأى بنفسها عن السقوط في فخ مهن جرفت الكثير من كرامة النساء المعوزات، كالتسول وممارسة البغاء، والعمل في مراكز المساج التي تنتشر في العراق، وأغلبها مشابهة لبيوت الدعارة، ولكن تحت لافتة مراكز مجازة. أما الحقوقية، منى علي، فتقول لـ”العربي الجديد”، إنّ “النساء العراقيات بتْن أقوى من أي وقت مضى بسبب تحرر الكثير منهن من سلطة رأس المال الذكورية سواء من الزوج أو الأب أو الأخ”. وتضيفُ، أنَّ “أغلب دعاوى الطلاق التي تردّ إلى مكتب المحاماة الذي أعمل به، هي دعاوى خلع مقدمة من قبل الزوجة، حيث تتنازل عن حقها بالمؤخّر والنفقة مقابل حريتها”، لافتة إلى أنّ “الإنجازات أحياناً تولد من رحم الأزمات. ويبدو أن البطالة والحروب في العراق ستخلق جيلاً نسائياً لا مثيل له في الأجيال السابقة”. وهذا ما تؤكّدهُ مريم محمد بالقول، إنّها بعد طلاقها تشعر وكأنها تحررت من سجن الفاقة، ووجدت الطريق الحقيقي لبناء مستقبلها ومستقبل طفليها”.
تروي مريم لـ”العربي الجديد” حكايتها، “تزوجت بعمر السبعة عشر عاماً، وكان طليقي من الكسبة الذين لا مهنة محددة لهم كحال أغلب الشباب في العراق. وقد كنا نعيش أزمات مالية مزمنة خاصة بعد ولادة طفلنا الأول”، وتوضح مريم أن “زوجي كان يخرج إلى (المسطر) حيث يعمل بأي شيء يطلبونه منه، كتحميل الأثاث أو الفلاحة أو إصلاح الكهربائيات أو أعمال السباكة، ولكن يصادفه على الأقل ثلاثة أيام في الأسبوع لا يطلبه أحد إلى العمل. هذه الأيام كانت تعني لنا أن نحرم من أبسط سبل العيش، كتناول الطعام على سبيل المثال، وكم بتنا بجوع أنا وإياه وطفلنا بسبب العوز”. وتضيف مريم “لقد طلبت منه مرات عديدة أن أعمل لأعيل العائلة، إلا أن الأعراف وكبرياءه كانا كفيلين بممانعته، مما دفعني إلى الانفصال عنه، فلم أعد قادرة على تحمل أزمة معيشتنا”، وتقول مريم “بمجرد انفصالي عنه، بدأت العمل من منزل أهلي بأعمال الطبخ، كالفطائر ومختلف المعجنات، وقد أنشأت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك لتسويق الطعام”، لافتة إلى أن “الأعمال تجري بشكل جيد، والأرباح معقولة لسد حاجاتي وحاجات طفليّ، وجعلتني أحقق ذاتي ولا أكون عبئاً على أهلي”، مشيرة إلى أن “أغلب زبوناتي موظفات متزوجات لا يسمح لهن ضيق الوقت بممارسة الطبخ المنزلي، مما يدفعهن لشراء المعجنات كونها تدوم لفترة طويلة، ولا تحتاج إلا لتسخينها، فتصبح جاهزة للأكل”.مندوبة مبيعات لشركة تجميل
أمّا، رشا منصور، ابنة الـ31 عاماً، فهي أرملة وأم لطفلة تقول: “زوجي استشهد في تفجير إرهابي استهدف أحد المطاعم الكبيرة شمال بغداد. وقد كان طبَّاخاً ماهراً، وأباً حنوناً تعلمت منه الكثير”، وتضيف في حديث لـ”العربي الجديد”: “بعد استشهاد زوجي، عشت حالة نفسية سيئة جداً، ولأجل الخروج من هذه الحالة اقترحت عليّ إحدى صديقاتي أن أعمل مندوبة مبيعات لإحدى شركات التجميل من المنزل، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. لم أتشجع في بادىْ الأمر”. تؤكد رشا، “ولكن لا ضير من التجربة، هذا هو القرار الذي اتخذته. وكانت المفاجأة في حجم الطلبات التي وردتني عبر صفحتي على فيسبوك، والتي وفرت لي مبلغا مالياً لا بأس به، لكن الأهم من ذلك، أنها سرقتني من حالة الإحباط والوحدة التي انتابتني بعد استشهاد زوجي، وأصبحت منغمسة جداً بعملي والتواصل مع زبائني، رغم ما يشوب عملنا من منغصات سواء من الزبائن أو من الشركة المجهزة، حيث ينكل أي منهما أحياناً باتمام الصفقة، ما يشكل إحراجا للمندوبة مع الزبون أو مع الشركة المجهزة”.واقع ذكوري وقوانين مجحفة
هويدا عباس، الناشطة في مجال حقوق المرأة تقول، إن نساء العراق يقفن أمام تحدي توفير العيش المناسب لهن ولعوائلهن، خاصة بعد ارتفاع نسبة الفقر في البلاد إلى 30% خلال العام الماضي 2016، بعد أن سجلت 22% خلال آخر مسح أجري في العام 2014، بحسب وزارة التخطيط العراقية، وبلوغ عدد المطلقات والأرامل مليونا و938 ألف مطلقة وأرملة حسب نتائج مسح الأمن الغذائي الذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء خلال عام 2016. وتؤكد لـ”العربي الجديد”، أن العام الجاري الذي يكاد يبلغ نهايته، لم يشهد أي توظيف جديد في مؤسسات ودوائر الدولة المتخمة بالبطالة المقنّعة، فيما شهد السوق الخاص، الذي لا يعوّل عليه أساساً، طرداً بنسب كبيرة للنساء العاملات، أما من حافظن على عملهن فقد ضحين بالكثير، كالأجور، وعدد أيام العطل الشهرية التي قد لا تتعدى اليومين فقط في الشهر بالنسبة لشركات الاتصالات، بالإضافة إلى طول ساعات العمل التي قد تصل إلى 12 ساعة يومياً، مما يضعهن أمام أزمة إنسانية واجتماعية كبيرة. وتضيفُ، أنّ هذا الاجحاف بحق المرأة العراقية جعلها تلجأ للعمل كمندوبة مبيعات أو طباخة وصانعة كيك ومعجنات من منزلها لتنأى بنفسها عن السقوط في فخ مهن جرفت الكثير من كرامة النساء المعوزات، كالتسول وممارسة البغاء، والعمل في مراكز المساج التي تنتشر في العراق، وأغلبها مشابهة لبيوت الدعارة، ولكن تحت لافتة مراكز مجازة. أما الحقوقية، منى علي، فتقول لـ”العربي الجديد”، إنّ “النساء العراقيات بتْن أقوى من أي وقت مضى بسبب تحرر الكثير منهن من سلطة رأس المال الذكورية سواء من الزوج أو الأب أو الأخ”. وتضيفُ، أنَّ “أغلب دعاوى الطلاق التي تردّ إلى مكتب المحاماة الذي أعمل به، هي دعاوى خلع مقدمة من قبل الزوجة، حيث تتنازل عن حقها بالمؤخّر والنفقة مقابل حريتها”، لافتة إلى أنّ “الإنجازات أحياناً تولد من رحم الأزمات. ويبدو أن البطالة والحروب في العراق ستخلق جيلاً نسائياً لا مثيل له في الأجيال السابقة”. وهذا ما تؤكّدهُ مريم محمد بالقول، إنّها بعد طلاقها تشعر وكأنها تحررت من سجن الفاقة، ووجدت الطريق الحقيقي لبناء مستقبلها ومستقبل طفليها”.
م/https://www.alaraby.co.uk