المنار /بغداد/ قاسم الحلفي
قرعت احصائيات اعلنها مجلس القضاء الاعلى جرس انذار يحذر من حالة خطرة تهدد النسيج الاجتماعي تضمنت وقوع اكثر من 70 الف حالة طلاق خلال العام الماضي 2017، ما يعني وقوع 192 حالة طلاق يومياً بواقع 8 حالات في الساعة الواحدة، وهو امر ينذر بكارثة اجتماعية يجب دراسة اسبابها وايجاد الحلول لها.
وسجلت إحصائية صادرة عن مجلس القضاء الأعلى ارتفاع نسبة حالات الطلاق في عموم البلاد خلال 2017 مقارنة بالأعوام الماضية، جاء فيها إن “محاكم العراق كافة سجلت خلال العام الماضي (70097) حالة طلاق”، بينما بلغ عدد حالات الطلاق للأشهر الثلاثة الاولى من العام الجاري 2018 وحسب إحصائيات مجلس القضاء الاعلى نحو 23 الف حالة طلاق.
رأي القضاء
وبين مجلس القضاء الاعلى أسباب هذا الارتفاع بتصريح لقاضي محكمة الأحوال الشخصية علي كمال نشر في صحيفة القضاء الالكترونية بقوله إن “المحاكم تسجل تزايدا في حالات الطلاق، لاسيما خلال السنتين الماضيتين”، متابعا أن “العامل الرئيس هو انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتعدد وسائل الاتصال والتطبيقات الحديثة والاستخدام السلبي لها، فيما أكد أن “قضايا الابتزاز الالكتروني احدى الصور التي شكلت نسبة من حالات الطلاق”، لافتاً الى أن “عدة عوامل أخرى تقف وراء أسباب تنامي هذه الظاهرة في العراق بينها زواج القاصرات الذي عاد إلى الواجهة من جديد وبشكل أكبر مما شهدته السنوات
السابقة”.
مضيفاً أن “تدخل الأهل في شؤون الأزواج والظرف الاقتصادي وقلة فرص العمل وزيادة البطالة، وكذلك انخفاض مستوى الوعي الفكري والثقافي بين الزوجين، واختلاف المستوى العلمي والتحصيل الدراسي كلها من الأسباب الرئيسة في حالات الطلاق”.
وأشار القاضي إلى “وجوب وضع آليات وإجراءات لحالات الطلاق التي تتم خارج المحكمة ويتم تصديقها خاصة تلك التي تنظمها المكاتب الشرعية كوضع رسوم مكلفة وغرامات أو مادة قانونية
للعقوبات”.
التحولات السريعة
ويرى الباحث الدكتور احمد قاسم ان “البلدان التي تمر بالتحولات السريعة في البناء السياسي والاجتماعي مثل العراق غالبا ما يصاحبها اضطراب ومشكلات من هذا النوع، والملاحظ لدينا ظاهرتان متعارضتان من جهة زيادة الفردانية بشكل عال جدا بسبب التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي التي يملكها الافراد، وبالتالي اصبح هناك مقدار عال من الاستقلالية وما عادت العائلة حكرا على ابنائها ولا المرأة من القيود المتحكم بها من جميع الجوانب”، مبينا ان “هناك مقدارا عاليا من الاستقلالية تشعر به الافراد يكسرون به فضاءات وجودهم داخل ابواب مغلقة ويتواصلون مع العالم وهذا الظرف يولد احساسا متناقضا لديهم يتمثل في الشعور بالاعتماد على الذات من جانب ومن جانب اخر وخصوصا المرأة على وجه التحديد يتولد عليها مقدار من الشكوك وعدم التابعية وكسر تسلط الرجل باعتبار المرأة شيئا تابعا له وعنصرا بالإمكان توجيهه، لذا نلاحظ ان الجيل الحالي تغير مزاجه بمقدار عال جدا فأصبحت هناك سرعة في حالات الزواج تقابلها سرعة في وقوع حالات الطلاق”. واشار قاسم الى ان ” الباحثين الاجتماعيين شخصوا ان الجيل الحالي يمتلك ثقافة الزوال حيث كان الفرد في العائلة ملتزما بثقافة التمسك برابط الزوجية والعلاقات الاسرية مجتمعة والآتات والحاجات، اما الان فثقافة الجيل الجديد تعتمد على الاستخدام لمرة واحدة وانتقلت هذه الصفة من الاشياء الى التعاطي في العلاقات فهو غير مستقر في علاقاته الاجتماعية، ولا يستطيع المحافظة على العلاقات لمدد طويلة مع الآخر لهذا تجد حالات الطلاق بهذا الكم المخيف”.
اما عن الحلول فاكد قاسم ” الحلول في الجانب الاجتماعي والقيمي تأخذ وقتا طويلا جدا في محاولة تغيير حالة الفردانية او ثقافة الزوال، اما في الجانب القانوني فيمكن ان تكون هناك قيود في حالات الزواج والطلاق اكثر مما موجودة الآن وكأنما القانون ييسر لوقوع حالات الطلاق اكثر من الزواج، والجانب الاخر الزواج خارج المحكمة حيث اصبحت العملية تتم بسهولة ويسر في مكاتب خاصة او بدونها عبر عقد القران بشهادة شهادتين ثم الذهاب بعد سنوات الى المحاكم لتسجيلها، وهناك تكون خسارات كبيرة”، لافتا الى ان “الكثير من حالات الطلاق لإعمار مبكرة وزيجات خارج المحاكم، اما في ما يخص الاعلام فيحتاج الى ان يركز على الحالات المأساوية التي يخسر بها الطرفان الرجل والمرأة ويتناولها ببرامج تنصح المجتمع بعدم التعجل في حالات الزواج وآثاره المدمرة على الافراد”، مبينا ان “المجتمع يلاحظ تحولا في صورة المرأة المطلقة فبعد ان كانت عبارة عن وصمة اجتماعية، اصبح الشباب لديهم تحول في هذه النظرة وصلت الى حد استخدام هذه الوصمة في الاغاني والقصائد، وكذلك فإن للروضة والمدرسة والجامعة والمجتمع ورجل الدين ادوارا يساهمون فيها في توعية المجتمع لان الزواج رباط سماوي لكل الاديان”.
للشريعة رأيها
يمثل رأي الشريعة في هذا الامر جوهر المشكلة لأن القرآن الكريم وصف الطلاق بـ “أبغض الحلال” ويقول الشيخ علي الكناني :ان “تفشي ظاهرة الطلاق بهذا الشكل يمثل أمرا مرعبا كونه يعتبر هزة تضرب المجتمع دون النظر الى حجم هذه الأضرار”، مبيناً أن “البعض يحمل اسباب كثرة الطلاق الى الزواج المبكر و زواج القاصرات، لكن قبل الشروع لابد من تسليط الضوء على هذين المصطلحين، فنحن نعلم ان لكل شيء مقدمات اذا تمت تم الموضوع فهل تمت هذه المقدمات حتى نرمي الزواج المبكر بالفشل او مصطلح القاصرات بطبيعة الحال؟” وهذا “مصطلح يسري في اغلب ابواب الفقه فلماذا نسلط الضوء فقط في قضية الزواج وهو ما يريده بعض الذين يبحثون عن عثرات لعلهم يجدونها في التشريع الاسلامي؟”.
واضاف ان “مسألة كثرة الطلاق سببها الافراد انفسهم نتيجة عدم التوجه والاهتمام بتعاليم الدين الاسلامي الحنيف فالعوائل اصبحت مفككة ونسب الالتزام بالشرع الاسلامي ووصايا الرسول (ص) قليلة جداً فلذلك يكون امر الطلاق سهلا جدا، فالأفراد تناسوا ان الشريعة الإسلامية تدعو الى الزواج المبكر لكبت جماح الشهوات بطريقة علمية صحيحة لكن مع ابتعاد الاعم الاغلب من المجتمع عن التشريع الصحيح والتمسك بالأعراف غير الصحيحة نتج عنها هذه
المأساة”.
وبين الكناني ان ” السبب الاهم هو عدم الالتفات الى تعاليم الله التي تقدس العلاقة الزوجية ومنها سوء الاختيار والامام الرضا “عليه السلام” يوصي بالاختيار الصحيح بقوله “اختاروا لنطفكم اطيب الارحام فان العرق دساس” والرسول الاعظم (ص) يوصي بعدم الزواج من بعض الاصناف مثلا “اياكم وخضراء الدمن أو الحنانة أو المنانة”، ومن الاسباب عدم الاحساس بالمسؤولية من قبل الأبوين للزوج والزوجة لان العائلة بعيدة عن جادة الشرع والامر اصبح بيد النساء وكذلك التكنولوجيا المعاصرة سواء والدخول في مواقع التواصل الاجتماعي المنحرفة دون رقابة نتج عنها هذه المصائب”.
وتساءل الكناني قائلا ” لماذا لم تكن هذه النسب موجودة قبل عقدين من الزمن او اقل؟ الم يكن في تلك الفترة زواجا مبكرا وزواجا للقاصرات؟ كانت تحدث المشاكل لكن كان العقل حاضرا و كانت الناس على نسبه عالية من الوعي لمتانة القرار لدى العائلة الكريمة”.
وكلاء الدفاع
من جانبه يشير المحامي اسماعيل العيثاوي الى انه ” بحكم عمله كمحامي فقد اطلع على ان عدد دعاوى الطلاق في محكمة البياع للعام الماضي بلغت اكثر من 13 ألف دعوى مبينا ان جملة من الاسباب ادت الى ذلك منها مادية واجتماعية وسياسية واخلاقية، لافتاً الى ان تقبل ظاهرة المطلقة في العائلة العراقية وفي المجتمع بعد ان كانت تعتبر عارا زاد من رواج حالات الطلاق ملخصا الاسباب الحقيقية بالحروب التي حصدت ارواح الكثير من الرجال وزادت من اعداد النساء وكثرت العنوسة معها، وكذلك العامل المادي وجيوش البطالة الذي ادى الى عزوف الشباب عن الزواج او حصول مشاكل تؤدي الى الطلاق لمن يتزوج منهم لعدم ايفائه بالتزامات المرأة، وايضا عزوف الزوجات عن العيش مع عائلة الزوج كما كان سابقا إذ غالبا ما يقع الانفصال ثم الطلاق بعد نشوء سوء علاقة بين الطرفين، واضاف لها هجرة الكثير من الشباب وترك زوجته وانغماسه في مجتمعات بعادات غريبة على مجتمعنا انعكس سلبا على حياتهم الزوجية وتسبب بحالات طلاق، واشار الى الهجرة الداخلية بسبب الحروب وما ترتب عليها من مآس انعكست على الحياة الزوجية، فضلا عن التكنولوجيا الحديثة التي سهلت التقاء الجنسين وحصول الخيانات الزوجية وبعدها الطلاق.
الصورة لحيدر الدليمي .