تقوى الوائلي
حليمة ربة بيت لم تكمل المرحلة الابتدائية كان عمرها حين قتلت 47 عاما من محافظة السماوة “اتُهمت ظلما بالاتجار بالفتيات بعد ان تجنت عليها ابنة صديقتها التي كانت قاصرا في حينها، وبمجرد ان تم القبض عليها هاج اخوتها واشتد غضبهم، وصلها وعيدهم وهي في فترة التحقيق فضلا عن انها كانت تتعرض للضرب اثناءه، خوفاً اعترفت بجريمة لم ترتكبها ،وحكم عليها بالسجن لمدة 15 عاما”.
تروي، ام عباس، إحدى قريبات حليمة التي طلبت عدم الكشف عن اسمها، مضيفة ” قرر الجميع مقاطعتها ومُنعنا من زيارتها او التواصل معها، كذلك مُنع اسمها من الذكر في العائلة، وقبل خروجها ببضعة اشهر بدأ اخوتها بزيارتها في السجن مُظهرين محبتهم الكاذبة. قدموا لها المساعدات لنيل ثقتها وبالفعل صدقتهم وابلغتهم بيوم الافراج عنها، فجاءوا لمرافقتها أثناء الخروج من السجن، قتلوها و ربطوا جثتها بسيارتهم وسحبوها في الشوارع ليعرف الجميع ان حليمة قُتلت” .
توقفت عن الكلام وهي تبكي ثم تابعت “دُفنت في مكان بعيد عن القرية يدعى إليشان، وهو مكان مخصص لدفن النساء اللواتي يُتهمن بقضايا الشرف في المحافظة، يبعد بضعة كيلو مترات عن قضاء الوركاء، المكان مهمل ،ليس فيه شواهد للقبور او اي علامات تدل على انه مدفن اذ الغاية محو ذكرهن”.
وترفض العديد من الاسر العراقية استقبال بناتها الخارجات من السجن عند انتهاء فترة عقوبتهن، تلاحق وصمة “العار” الكثير ممن غادرن قاعات السجون ليدخلن الى ساحات الرفض والنبذ الذي قد يصل كما حصل في حالة حليمة للقتل. .
وتجاوز “وصمة العار” حليمة لتنتقل لبناتها الثلاث حتى، عنّهن تقول أم عباس :” عندما سُجنت امهن حُرم عليهن ذكرها وحُرمن من ابسط الحقوق ، ينادوهن ببنات السجينة ثم تم تزويجهن للاقارب بالاكراه ، مُنعت عليهن الشكوى من الحرمان او سوء المعاملة وعليهن الامتنان لمن قبل بالزواج منهن رغم ما يحملن من عار اذ انهن بنات سجينة قُتلت” .
اليشان حيث تدفن الضحايا
ذكر مصدر (تحفظ على ذكر الاسم) في السماوة انه لو كانت هناك 20 سجينة فأن واحدة فقط يكتب لها الحياة بعد مغادرة السجن فيما مصير الاخريات هو القتل ولا يختلف الحال كثيرا في المحافظات الاخرى.
من فصلية الى سجينة
هناء عمرها الان 41 عاما من محافظة ذي قار تحمل شهادة جامعية في الاقتصاد، تقول قبل عدة سنوات انتهت أحلامي عندما قتل أخي شاباً من اهالي البصرة، و تم تقديمي كفصلية الى عشيرة المقتول لحقن الدماء بين العشيرتين “.
لعشر سنوات عاشت هناء كل اشكال التعنيف والاهانة كفصيلة ووحرمت من ابنائها ،”فمنذ لحظة ميلادهم تأخذهم والدة زوجي التي تسكن في بيت اخر قريب ويمنع علي رؤيتهم” كما تقول.كان زوج هناء يتاجر بالممنوعات ويحتفظ بها في المنزل وفي يوم داهمت الشرطة البيت والقت القبض عليهما ، واثناء التحقيق ادعى الزوج بأن هناء شريكته في التجارة، “تم حبسي لاجل التحقيق وما ان بلغ الخبر الى اهلي حتى اعلنوا برائتهم مني رافضين التواصل او تقديم العون حتى ذاك الاخ الذي دفعت ثمن جريمته” تقول هناء مضيفة ” بعد ستة اشهر من التحقيق اعترف الزوج ببرائتي فتم اطلاق سراحي، عدت الى البيت لاجد ابنائي قد سُرحوا الى الشارع بحثت عنهم واعدتهم الى احضاني ثم انتقلنا الى حيث نعيش الان كي اعيلهم من عملي في بيع المأكولات التي اصنعها في البيت ”
رفض أهل هناء التواصل معها حتى بعد براءتها واتهموها “بجلب العار لدخول السجن”، تختم هناء سردها قائلة: ” الرجل مهما يفعل لا يجلب العار لنفسه او اهله فهو يحمل صك الغفران مهما كانت جريمته تُمد له يد العون وتقُدم المرأة كقربان يغسل اثامه” .
لعائلة السجينة نصيب من الوصمة أيضاً، (ابو فاطمة ) يبلغ من العمر 60 عاما من محافظة ميسان أب لابنتين وولدين منهم فاطمة. وقد كانت موظفة في دائرة حكومية وهي متزوجة وام لثلاثة أطفال، اتهمت بالتلاعب بأوراق رسمية وحكم عليها في عام 2011 بالسجن لخمس سنوات لتتغير حياة العائلة كلها.
يروي أبو فاطمة” ما ان صدر الحكم حتى طلقها زوجها ورمى بالاطفال الينا، قررت لا اتخلى عن ابنتي، مما اثار حفيظة اخوتي وباقي ابناء العشيرة فنبذوني ، ينظرون الي على اني معدوم الرجولة، بعت بيتي بنصف ثمنه لارحل الى محافظة اخرى حيث لا احد يعرف عني وعن ابنتي شيء لنبدأ حياة جديدة بعيدا عن وصمة العار التي كانت تلاحقنا”.
وتتناقض حقيقة ما تتعرض له السجينات في العراق مع القوانين الرسمية المعمول فيها، حيث ينص ن قانون اصلاح النزلاء والمودعين رقم 14 لسنة 2018 في المادة 3 الفقرة سادسا : “الاسهام في دعم الرعاية اللاحقة للنزيل والمودع بالتعاون مع الجهات المختصة للعمل على الحد من الجريمة واثارها”. .
وفي المادة 59 من ذات القانون تنص على “:يتولى قسم البحث الاجتماعي في دائرتي اصلاح الكبار والاحداث متابعة وتوفير الرعاية اللاحقة للنزلاء والمودعين وبضمنها الاختصاصات التالية :رابعا: التأهيل الاجتماعي ورعاية العلاقة الاسرية للنزيل او المودع مع اسرته والعمل على عودة النزيل او المودع مع اسرته” .
ولكشف اسباب عدم الاخذ بما جاء في القانون ىسألنا نائب المدعي العام المسؤول عن قاطع النساء في سجن البصرة المركزي سابقا (التي طلبت عدم ذكر اسمها )
فاجابت :” لا يوجود الرغبة الحقيقية في تأهيل السجينات واعادة دمجهن في المجتمع وحتى من يرغب في ذلك لا يجد الدعم المادي اللازم، كذلك لا يوجد تعليمات لتطبيق تلك القوانين مما يبقيها حبرا على ورق”
وترى نائب المدعي العام سابقاً بأن العراق ” ا بحاجة الى المزيد من التشريعات والاجراءات التي تضمن سلامة النساء بعد مغادرة المؤسسة العقابية ومساعدتها في بدأ حياة جديدة بعيدا عن عالم الجريمة”.
الوصم..فعل جاهلي
وعن رأي الشريعة الاسلامية فيما تتعرض له النساء المفرج عنهن من تعنيف ووصم بالعار يقول الشيخ مشتاق العيداني وهو باحث في الشريعة الاسلامية : ” ان ما تعانيه النساء لا يتفق مع تعاليم الشريعة السمحاء التي تدعوا الى العفو والتكافل الاجتماعي، وان هذه السلوكيات التي نشهدها الان في واقعنا من تعنيف وقتل ونبذ للسجينات انما تمد بجذورها الى الجاهلية ”
واستشهد الشيخ العيداني بالحديث النبوي الشريف: (” لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِینَ وَلَا تُعَیِّرُوھُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِھِمْ، فَإِنَّھُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِیه المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّه عَوْرَتَه، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّه عَوْرَتَه یَفْضَحْه وَلَوْ في جوف رحله”)، مستنتجاً ” لذلك وجب الاهتمام بالمفرج عنهن ومساعدتهن على البدء من جديد ففي ذلك صلاحهن وصلاح المجتمع” .
وعن الاثر النفسي الذي تعاني منه الخارجات من السجن قالت الست اميرة عبد الكريم (ماجستير صحة نفسية واستاذة جامعية تعمل مع ضحايا التعذيب منذ 2005):”ان اهم ما تعانيه المرأة السجينة بعد خروجها للمجتمع هو الوصمة الاجتماعية التي تحط من كرامتها واحترامها وتعرضها للعديد من المواقف والمضايقات بشكل يومي الامر الذي يجعلها عرضة للاضطرابات النفسية والتي ربما تتفاقم لتصاحبها اضطرابات اخرى كالقلق والاكتئاب وهذا يشكل خطرا عليها وعلى المجتمع من بعد ذلك ويضيع الفرص المتاحة للاصلاح”
انتج المحتوى بدعم من التعاون الالماني.