وسط رائحة الكتب العتيقة وبريق حبر جديدها وتفاصيل منطقة قديمة في بغداد يستقر بائعو الكتب وقراؤها فيالعراق بشارع المتنبي، في ذلك الشارع مئات القارئات وأحيانا تفوق أعدادهن أعداد رواده الرجال، لكن مشهد بيع فتيات للكتب أو إدارتهن لدور نشر غير عادي على الإطلاق.
براء البياتي خريجة كلية الهندسة بالجامعة المستنصرية في بغداد، أول امرأة تدير دار نشر في العراق، حسب كتبيي شارع المتنبي ورواده.
وفي لقاء للجزيرة نت تحدثت براء عن تفاصيل قصتها وقالت إنها بعد التخرج في كلية الهندسة عام 2012 بحثت عن عمل بلا جدوى، مثل كثير من شباب وفتيات العراق بعد الانتهاء من الدراسة، لكنها صدمت بشبه انعدام في فرص العمل، واعتماد التوظيف على الانتماء لجهة حزبية أو سياسية، أو ما يسمى “الواسطة”.
في تلك المرحلة تتحدث براء عن اليأس الذي كاد يتغلغل في نفسها، في وقت تصارع في ذاتها، حتى وصلت لنقطة التحول واتخذت قرارا بالعمل في ما تحب، ضمن مجالات الثقافة والفن والقراءة، وذلك لنشأتها في عائلة محبة للقراءة والفنون ومشاركتها في مهرجانات المدرسة للخطابة والتمثيل المسرحي في طفولتها.
وحسب براء فهي لم تستطع دراسة اختصاصات مثل الإعلام والصحافة والفنون بأنواعها بسبب سوء الوضع الأمني آنذاك واستهداف العصابات المسلحة كل من يعمل في هذه المجالات، قررت وأهلها دراسة الهندسة، لكن الشغف في داخلها كان يكبر ويزداد يوما بعد يوم.
ليان القدسي ترى في الكتب والقراءة اللبنة الأساس في ازدهار الشعوب (الجزيرة) |
بداية الطريق
بعد الاستقرار الأمني النسبي في البلاد عادت براء إلى شارع المتنبي تطارد الكتب والعناوين وتصور الاقتباسات للكتب، وفي زيارة بلا سابق إنذار قررت الدخول إلى إحدى دور النشر والتحدث إلى مديرها، وطرح فكرة العمل لديه تطوعا بلا مقابل، وطرح أفكارها لتسويق الكتب بطريقة تجذب القارئ، وهو ما لاقى ترحيبا من مدير الدار.
وأشارت إلى أنها في الحقيقة لم تجد صعوبة في المنافسة وسط بيئة كان العمل فيها حصريا للرجال، بل كان تحديا لتغيير الأفكار النمطية وإثبات فكرة أن المرأة قادرة على النجاح في مختلف المجالات.
بعد ثلاث سنوات من العمل في شارع المتنبي، تحقق حلم براء وافتتحت دار نشر خاصة بها وسمتها على اسمها، وبمعونة مالية من عائلتها انطلقت للعمل، مع وعد بتسديد مساعدتهم المالية عند استقرار المشروع.
وحتى الآن طبعت الدار 15 إصدارا بين شعر ورواية ونصوص، وتحلم براء أن تكون دار النشر عالمية.
وتمنت براء أن تتبنى الحكومة والجهات المسؤولة أفكار الشباب وطموحاتهم، وقالت إنها حظيت بمساعدة عائلتها، لكن هناك كثيرا من الشباب الطموحين الذين لديهم أفكار عظيمة ولا يوجد من يقدم لهم يد العون للبدء.
درج الكتب
قصة نجاح أخرى صادفتنا أثناء الجولة في شارع المتنبي، وهي لبائعة الكتب ليان القدسي التي تحدثت عن فكرتها ومشروعها الهادف حسب قولها لإعادة إحياء ثقافة القراءة عبر إيجاد نقاط منتشرة لبيع الكتب في كل مدينة عراقية، وقد بينت أنها اختارت لمشروعها اسم “درج” لتشير إلى ارتقاء القراءة بالناس لأعالي سلم المعرفة.
وفي حديثها للجزيرة نت أفادت ليان أنها ترى في الكتب والقراءة اللبنة الأساس في ازدهار الشعوب، ومن باب الحرص على المساهمة في رفع الذائقة الأدبية عملت على تحقيق مشروع توفير الكتب في كل مكان.
وقالت إنها من خلال هذا المشروع ستقدم الكتب للبيع أو الاستئجار وكذلك الجلسات الأدبية والورش الخاصة بطرق وأدوات الكتابة.
وتضيف ليان أنها واجهت صعوبات مالية في بداية مشروعها، واضطرت لأن يكون “درج” في زوايا داخل المقاهي والمطاعم حيث يتجمع الناس، خاصة الشباب، وهو ما يجعل وصول الكتاب إليهم أسهل لأن مراكز الكتب في بغداد قليلة جدا، لكن بعد ذلك تمكنت من فتح خمسة مواقع في بغداد ونقطة في الموصل، وتعمل حاليا على فتح مراكز للكتب في جميع المدن العراقية.