“والله موت” آخر كلمتين قالتها لنا سيدة مسنة من قضاء تلعفر التابع لمدينة الموصل، ردا على سؤالنا لها كيف تعيشين اليوم وأنت في الثمانينات من العمر وتعيلين أسر وأيتام لـ(10) شهداء من الأبناء والبنات والأحفاد الذين قضوا بين الإعدام والتفجير والخطف منذ عام 1983 إلى حد يومنا هذا؟.
وقالت الحاجة ميسة ذنون يونس وهي تكرر بعض الجمل والكلمات بلهجة كان من الصعوبة علينا فهمها لولا مساعدة ابن شقيقتها الذي كان يرافقها، وقدر تركت الإحداث والظروف القاسية التي مرت عليها آثارا واضحة رسمت على ملامح وجهها، وحاولت أن استعيد من هذه السلسلة الطويلة من المآسي مما لا يمكن أن يمحى من ذاكرتها مها طال عليه الزمن، فقد بدأت الحلقة الأولى في عام 22/5/1983بإعدام ولدها البكر محمد من قبل النظام السابق بتهمة الانتماء إلى حزب الدعوة الإسلامي وقد دفعت مجبرة ثمن العتاد الذي اعدم به.
وتجددت مرة أخرى مآسي الحاجة ميسة بعد سقوط النظام في 2003، فقد اختطف ابنها طالب في (2005) بدافع طائفي من قضاء البعاج التابع لمحافظة الموصل ليقتل بعد ستة أشهر، ثم استشهد ابنها حاتم في 9/5/2006 بانفجار سيارة مفخخة في حي الوحدة بتلعفر.
وسقط في 27/3/ 2007 حفيدان لها مع أمهما شهداء عندما كانوا يتجمعون مع عدد من العوائل على سيارة توزع الطحين في وسط القضاء.
ووسط استمرار وتصاعد موجة تفجير السيارات المفخخة التي أودت بحياة آلاف العراقيين، بعد انتشار وتنامي النزعة الطائفية والدينية والقومية، فقد وقع ثلاثة من أبنائها شهداء في حوادث متسارعة، فاستشهد (عابدين) في انفجار وقع في ملعب لكرة القدم، وسقط (علي الأصغر) اثر أصابته باطلاقات نارية عشوائية في سايلو سنجار، واستشهد (قاسم) اثر انفجار في قلعة تلعفر.
وفقدت الحاجة ميسة واحدة من بناتها الخمس في (2014) في سنجار ولا تعرف مصيرها لحد الآن وهي تنتظر العودة إلى مدينتها لتقيم دعوة هناك، وبهذا فقدت هذه السيدة (10) أشخاص منهم (6) من أبنائها السبعة، وواحدة من بناتها الخمس، بالإضافة إلى حفيدين وزوجة ابنها.
وقابلت الحاجة ميسة رئيس الوزراء حيدر العبادي بعد أن طرقت كل الأبواب ولم تحصل من الدولة سوى على مليون دينار في عام 2014، رغم مراجعاتها المستمرة لمؤسسة الشهداء في بغداد الذين اخبروها بان محافظة نينوى لم ترسل لهم إي معاملات، على حد قولها.
وبينت الحاجة ميسة لنا انها المسؤولة الأولى والوحيدة ولديها الوصايا على أيتام وقاصرين من أطفال أبنائها وزوجاتهم ولا تملك ما يكفي لسد رمق عيشهم من مصدر رزق او راتب، وإنها تخشى إن فارقت الحياة فان المعاملات والأوراق التحقيقية والقسامات الشرعية والنظامية الخاصة بأبنائها سوف تسقط جميعها لأنها مسجلة باسمها، خاصة وإنها مصابة بإمراض مزمنة ومن الممكن أن تفارق الحياة في أي لحظة.
وتقيم الحاجة ميسة في حسينية مخصصة لسكن النازحين تقع في منطقة الحيدرية منتصف الطريق بين محافظتي النجف وكربلاء. التقت بها وكالة نون الخبرية عند مراجعتها لمؤسسة لرعاية الأيتام.
ودعت الحاجة ميسة المنظمات الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات المجتمع المدني والميسورين والخيرين الى مساعدة هؤلاء الأيتام والنظر بعين العطف عليهم والوقوف معهم بما يحفظ كرامتهم، وانتشالهم من هذه المحنة والظرف القاسي الذي يمرون به.
وشهدت محافظة كربلاء كباقي محافظات وسط وجنوب العراق موجة نزوح لإعداد كبيرة من العوائل بسبب النزعة الطائفية التي أثيرت بعد عام (2003)، وارتفعت نسبة النزوح لتصل إلى أوجها بعد دخول داعش واحتلالها لمدينة الموصل في عام 2014، حيث وصل عدد النازحين في كربلاء وحدها إلى (80) ألف نازح، وعلى مستوى العراق بلغ (3) ملايين نازح،و أن أغلبيتهم من محافظة الموصل، بحسب ما صرح به ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون للاجئين في العراق السيد برونو جيدو لوكالة نون الخبرية في 19/4/2017.
محسن الحلو-وكالة نون الخبرية